الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد؛ فقد قال تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) النور:40.
تتضمن هذه الآية الكريمة وصفًا للظواهر الطبيعية في البحار، وهي ـ على وضوحها ـ فقد وجد المفسرون صعوبة في تفسيرها بصورة مفصلة، لأن معرفة هذه الظواهر معرفة تامة كانت مجهولة وقت نزول القرآن الكريم. لقد آمن الأقدمون بخرافات عديدة عن البحار والمحيطات، واعتقدوا بوجود حيوانات وحشية غريبة الخلقة تعيش في أعماقها، ولم تتوفر ـ حتى للبحارة ـ آنذاك معرفة حقيقية عن الأحوال السائدة في أعماق البحار. وكانت المعلومات عن التيارات البحرية نادرة، ولم تتوفر أية معلومات عن الأمواج الداخلية في العصور الماضية. وسيطرت الخرافات فيما يتعلق بالمياه الراكدة، التي لا يمكن أن تعبرها البواخر. واعتقد الرومان القدماء بوجود أسماك مصاصة، لها تأثيرات سحرية على إيقاف حركة السفن. وبالرغم من أن القدماء عرفوا أن الرياح تؤثر على الأمواج والتيارات السطحية إلا أنه كان من الصعب عليهم أن يعرفوا شيئًا عن الحركات الداخلية في المياه.
ولم تبدأ الدراسة المتصلة بعلوم البحار وأعماقها على وجه التحديد إلا في بداية القرن الثامن عشر، عندما توفرت الأجهزة الضرورية لمثل هذه الدراسات المفصلة.
المعلومات الحديثة فيما يتعلق بمعنى الآية الكريمة:
تعتبر فكرة انتشار الظلمات في أعماق البحار من المعلومات الشائعة. ويعرف صيادو الأسماك أن الضوء يمتص حتى في المياه الصافية جدًّا، وأن قاع البحر المنحدر ذا الرمال البيضاء يتغير لونه بصورة تدريجية إلى الأزرق، حتى يختفي تمامًا مع تزايد العمق. وقد تبين من الملاحظات الشخصية للدكتور (هي HAY) ـ الباحث الرئيس لهذه الدراسة ـ في أوساط صيادي الأسماك في جزر البهاما أنهم قادرون على استخدام الاختلاف الظاهر في لون الماء لتحديد العمق بدقة ملحوظة، إذ إن بطون معظم الأسماك بيضاء اللون، ويحدث من حين لآخر أن تنقلب أثناء محاولتها التخلص من شباك الصيادين فتنكشف بطونها.
ومن المعروف تمامًا للصيادين حتى في المياه التي لا تتسم بالصفاء التام ـ أن نفاذ الضوء يتناسب عكسيًّا مع ازدياد العمق. ويبدو المحيط أزرق اللون إذا نظرنا إليه نظرة جانبية، وأسود اللون إذا نظرنا إليه بزاوية مائلة نحو الأسفل. وأبسط جهاز علمي لقياس عمق نفاذ الضوء في مياه المحيط هو (قرص سيتشي The Secchi Disk)، وهو عبارة عن قرص أبيض ذي قطر معين يتم إنزاله في الماء ليسجل العمق الذي تتعذر رؤيته كنقطة قياسية ولا يزال هذا القرص الذي وصفه ـ لأول مرة في الكتب العلمية ـ كل من (سيلادي وسيتشي Ciladi and Secchi)، في عام 1281هـ/1865م ـ قيد الاستعمال(1)، حيث يكفي لتحديد قياس تقريبي لشفافية الماء.
إن صورة طبقات الأمواج التي تعلو إحداها الأخرى (بعضها فوق بعض) تثير الدهشة. والمظهر المعقد للأمواج على سطح البحر معروف تمامًا للبحارة وصيادي الأسماك. وتزداد سرعة الأمواج في المياه العميقة مع ازدياد طول الموجة (وهي المسافة الفاصلة بين ذروة موجة وأخرى) بحيث تتحرك الأمواج الطويلة بسرعة أكبر من الأمواج القصيرة. ويندر أن نشاهد مجموعة واحدة من الأمواج على سطح البحر، فهناك عادة مجموعات مختلفة من الأمواج، ويتفاوت طول الموجة في كل مجموعة ويختلف اتجاه قدومها كذلك. وهذا التفاعل المعقد بين الأمواج العديدة، يضفي على سطح البحر مظهره العادي الذي يصعب تمييزه، ولكن الآية الكريمة لا تشير إلى تلك الأمواج الصغيرة القصيرة التي تعلو الأمواج الكبيرة الطويلة، إذ إنها تشير بوضوح إلى وجود موجة عميقة جدًّا تعلو طبقة من الظلمة وتعلوها موجة أخرى، وهذه حالة لا توجد على سطح الماء.
إن الأمواج الداخلية التي تحدث في عمق المحيط معروفة أيضًا، غير أنها لم تعرف علميًّا إلا منذ أقل من مئة سنة وهي تحدث داخل البحر ـ إلا في حالات قليلة معروفة ـ وعلى امتداد سطوح طبقات المياه المختلفة الكثافة والمتفاوتة في درجة حرارتها وملوحتها، وتشير الآية الكريمة ـ على ما يبدو ـ إلى هذه الأنواع من الأمواج.
مناقشة:
بالرغم من أن قرص سيتشي يعتبر وسيلة سهلة لقياس اختراق الضوء للماء بدرجة تقريبية، وبالرغم من استعماله على نطاق واسع، إلا أن قياس هذا الاختراق في ماء البحر بصورة أدق لم يتحقق إلا باستخدام الوسائل التصويرية في نهاية القرن الماضي(2). وبتطوير وسائل قياس شدة الضوء التي استخدمت الخلايا الكهروضوئية خلال الثلاثينيات(3).
ومن المعروف الآن أن كمية الضوء التي تنفذ إلى أعماق البحار تتناقص تناقصًا رأسيًّا. وفقًا لما يراه (جيرلوف jerlov)(4). فينخفض مستوى الإضاءة في مياه المحيط المكشوفة إلى نسبة 10% من مستواه عند السطح في عمق 35م، وإلى 1% في عمق 85م، وإلى 0.1% في عمق 135م، وإلى 0.01% عند عمق 190م، وإن كان بعض الأشخاص الذين قاموا بالدراسة والمراقبة من الغواصات ـ ولمدد طويلة ـ أفادوا أنهم تمكنوا من رؤية الضوء في أعماق تزيد على ذلك.
ويرى كل من (كلارك) و(دنتون)(5) أن الإنسان يستطيع أن يرى الضوء المنتشر على عمق 850م، ومن الواضح أن الأسماك التي تعيش في أعماق البحار ترى أفضل من ذلك إلى حد ما، وهي قادرة على اكتشاف الضوء المنتشر حتى عمق 1.000م مع أن شدة الضوء عند هذا العمق تبلغ 1×1310 من شدته عند السطح.
يعود الفضل في تفسير ظاهرة الأمواج الداخلية للدكتور (ف.و. ايكمان V.W.Ekman) 1322هـ/1904م(6) الذي فسر بها ما يعرف بظاهرة المياه الراكدة التي توجد في الفيوردات ـ الخلجان النرويجية ـ فالسفن التي تبحر في هذه الخلجان تفقد فجأة قدرتها على التقدم فتقف ساكنة في (المياه الراكدة)، ولم تحظ هذه الظاهرة إلا بقدر يسير من الاهتمام العلمي، إلى أن لاحظ المستكشف وعالم المحيطات النرويجي (فريتيوف نانسن Nansen) تعرض سفينته (فرام Fram) لهذه الظاهرة شمال جزيرة (تايمير) خلال عملية استكشاف القطب الشمالي في السنوات (1311ـ1314هـ)، (1893ـ1896م) التي حاول خلالها أن يجتاز منطقة القطب.
ولقد شجع (نانسن) (ايكمان) على البحث عن تفسير ظاهرة (المياه الراكدة)، وكان في رأي (ايكمان) أنها تنجم عن الأمواج الداخلية التي تتولد على السطح الفاصل بين الكثافة الضحلة للمياه العذبة السطحية ومياه المحيط التي تحتها.
وَتَعُبُّ الجداول والطامينات الجليدية الآخذة في الذوبان خلال فصل الصيف كميات كبيرة من المياه العذبة في الفيوردات والبحار الساحلية ـ مما يؤدي إلى تكون طبقة رقيقة من المياه العذبة تطفو على سطح ماء البحر المالح، وإذا بلغ سُمك هذه الطبقة الرقيقة من المياه العذبة ما يقارب عمق غاطس السفينة فقد تتولد عن حركة السفينة الأمواج الداخلية على السطح الفاصل بين المياه العذبة والمياه المالحة، ويمكننا أن نلاحظ بسهولة الأمواج السطحية التي تتولد عن اندفاع السفينة إلى الأمام. وتتكون هذه الأمواج عند مقدمة السفينة وجوانبها، وتمتد إلى الخارج وإلى الخلف بزاوية حادة على طريق السفينة، وتتبعها لمسافة تزيد عن طولها عدة مرات، والأمواج التي تتولد في الأعماق الضحلة على سطح المياه المختلفة الكثافة تشبه الموجات السطحية ـ ولكن لا يمكن أن تشاهد بسهولة من فوق سطح الماء ـ وتستهلك عملية تكونها جزءًا كبيرًا من الطاقة التي كان يمكن استخدامها لدفع السفينة إلى الأمام. ولا تزيد سرعة الأمواج الداخلية عن عقدتين بالنسبة لغاطس السفن العادية الذي لا يزيد عن عدة أمتار.
فالسفن التي تبحر بسرعة أكبر من ذلك لا تعاني من المياه الراكدة، لأن الزخم الذي يستهلك في تكوين الأمواج الداخلية صغير إذا قارناه بزخم السفينة المسرعة. أما السفن التي تبحر بسرعة منخفضة فإن تكوّن الأمواج الداخلية قد يستنفذ جُلّ الطاقة التي كانت ستدفع السفينة إلى الأمام مما يؤدي إلى توقّف السفينة في المياه الراكدة.
وبعد مُضيّ وقت غير طويل على وصف (ايكمان) للأمواج الداخلية القصيرة التي تقترن بحركة السفن، وصف (اوتو باترسون Otto Petterson) تأثير الأمواج الداخلية الطويلة التي تحدث في أعماق البحار على هجرة الأسماك.
وفي فصل الصيف تحمل الأمواج الطويلة (التي يدوم زمنها بين 8 و10 أيام) المياه ذات الملوحة البحرية الطبيعية (على شكل تيار) إلى الكاتيغات(6) والخلجان مما يدفع المياه السطحية العذبة إلى الخارج، الأمر الذي أدى إلى اختفاء مجموعات الأسماك من نوع هيرينج (herring) التي توجد بالقرب من سواحل جوتلاند (Jutland) اختفاءً تامًّا داخل خلجان الساحل الغربي للسويد، كما لو أنه تم بفعل مضخة تفريغ هائلة(7).
والاختلاف في كثافة المحيط المفتوح أقل منه في المناطق الساحلية، ويكون السطح الفاصل بين الكثافات المختلفة ـ والتي تتكون عليها الأمواج الداخلية بصفة عامة ـ عند منطقة المنحدر الحراري الرئيس، الذي يفصل مياه السطح الدافئة عن مياه الأعماق الباردة. وقد يتراوح سُمك طبقة المياه الدافئة من بضع عشرات إلى مئات من الأمتار. ويتراوح طول الأمواج الداخلية في منطقة المنحدر الحراري من عشرات إلى مئات من الكيلومترات. وبالرغم من أن الإزاحة العمودية تبلغ عادة بضع عشرات أو أقل لكنها قد تصل إلى 100 متر(
. ويمكن مشاهدة تأثير الأمواج الداخلية على سطح البحر، لأنها عندما تتولد على عمق أقل من 100 متر من السطح تولد أحزمة شفافة خالية من التموجات تقع خلف قمم الأمواج الداخلية، وتكون موازية لها(9).
وقد يكون مرور الأمواج الداخلية محسوسًا بصورة أقوى من قبل الغواصات، إذ قد يطرأ تغير مفاجئ على السفن التي تنقب عن النفط في المياه العميقة عندما يصبح المعوّم ـ الذي يربط سفينة الحفر بفتحة البئر الكائنة في قاع البحر ـ بصورة مفاجئة كثير العوم أو ثقيلاً، والمعتاد أن يكون ساكنًا.
وقد تنشأ في المضايق والقنوات أمواج داخلية ذات أشكال خاصة. والأمواج الداخلية ظاهرة شائعة في مضيق جبل طارق. وقد يتسبب التدفق الداخلي للتيار السطحي القوي، والتدفق الخارجي للتيار السفلي، في دخول الأمواج الداخلية من المحيط الأطلنطي إلى المضيق، كأنها أمواج متكسرة، مثل الأمواج المزبدة على الشاطئ، مما يتسبب في قدر كبير من الاضطرابات الداخلية.
الوقت بالساعات الشمسية
لاحظ أن مقدمة الموجة زاد انحدارها حتى تكاد تتعرض للانكسار وتكون موجة منكسرة داخلية (internal Surf) نقل عن كل من جاكسوبسون وتومسون (Jacobson and Thompson)(10).
وتنطوي مضائق ميناء مسينا على ظاهرة أمواج داخلية اشتهرت منذ أقدم العصور، وهي دوامة (تشاريبديز Charybdis)، وفي ملحمة (هوميروس Homers) الكاتب الإغريقي القديم (الأوديسا Odyssey) التي تصف رحلة عودة بطل الملحمة الشعرية (أوليسيوس Ulysses) إلى وطنه بعد معركة طروادة ـ والتي كتبت حوالي عام 720 قبل الميلاد.
وفي ملحمة (أرغونوتيكا Argonautica) التي تروي قصة بحث (جيسون Jason) عن جزة الصوف الذهبية ـ والتي كتبها (أبولونيوس روليوس Appollonius) في القرن الثالث قبل الميلاد ـ توصف مضائق (مسينا Messina) بأنها خطرة جدًّا بسبب دوامة تشاريبديز (على طول ساحل صقلية) ودوامة شيلا (على الساحل الإيطالي).
وتوصف دوامة تشاريبديز بأنها تبتلع السفن. ولا تزال هذه الدوامة تظهر تحت هذا الاسم على بعض الخرائط الملاحية، بالرغم من تضاؤلها كثيرًا منذ العصور القديمة عن طريق الزلازل التي غيرت قاع البحر. وتوصف دوامة شيلا: كوحش له ستة أذرع وستة رؤوس، ومع ذلك اعتبرت أقل خطرًا من دوامة (تشاريبديز)، ولربما كانت هي أيضًا منطقة مضطربة من البحر.
وتنتج حركة اضطراب المياه من تكون الأمواج الداخلية بين المياه الأخف كثافة في البحر (التيريني Tyrrhenian) والمياه الأكثر كثافة للبحر (الآيوني Ionian)
وعند دخول الأمواج هذا المضيق تتكسر الأمواج الداخلية وتكون (زبدًا داخليًّا) يمكن أن يصل إلى السطح وتكون له آثار لافتة للنظر(11)، وفي وصف حديث لدوامة تشاريبديز نقرأ ما يلي:
(خرجت مرة سليمًا من الدوامة عند الفجر، وكانت الريح تهب على مؤخرة السفينة، والأمواج تدفعنا إلى الخلف، وفجأة توقفت الدفة عن توجيه السفينة التي مالت بنا نحو اليمين بقوة كبيرة، وأرغى البحر وأزبد من حولنا، واتخذ مظهرًا زيتيًّا غريبًا، ثم اندفعت من أعماق البحر كمية الماء البارد)(12).
فهل هناك مناطق أخرى كان للأمواج الداخلية فيها آثار سطحية بارزة وعرفها العرب قديمًا؟
هذا أمر بعيد الاحتمال، لأن العرب لم يكونوا من الشعوب البحرية قبل ظهور الإسلام، بل كانوا ينتقلون في الصحاري في القوافل التجارية، ولم يشتهروا بالملاحة البحرية إلا بعد نزول القرآن الكريم وانتشار الإسلام بسرعة كبيرة، الأمر الذي استدعى خوض البحار.
وربما اقترنت لدى الأقدمين ملامح مثيرة للانتباه بسبب الاختلاف الكبير في كثافة الماء الذي يتدفق من البحر الأسود وإليه عبر مضيق البوسفور والدردنيل، واختلاف الكثافة بدرجة أقل في المضيق الذي يصل البحر الأحمر بخليج العقبة وخليج عدن.
وحتى لو سمع العرب بهذه الظاهرة لكان من الصعب أن نتصور أنهم فكروا في إمكانية وجود الأمواج الداخلية، لأن كثيرًا من الشعوب البحرية القديمة التي وصلت مستوى رفيعًا من المعرفة لاحظت الآثار السطحية لهذه الأمواج، ولكنها عجزت عن تفسيرها.
وكان الفهم العلمي للآثار المترتبة على اختلاف الكثافة ـ بسبب الحرارة والملوحة، وفهم آثار تضاريس قاع البحر ـ منعدمًا في تلك العصور الغابرة.
وربما لاحظ المراقب الذكي للبحر آثار الأمواج التي تحدث تحت الأمواج السطحية، أما معرفة وجود الأمواج الداخلية نفسها فهو أمر لا يزال من الصعب تخيله.
الخاتمة
تدل الآية الكريمة سالفة الذكر على ما يلي:
1 ـ إن الظلام ينتشر في أعماق المحيطات.
2 ـ إن مياه المحيطات تحوي الأمواج الداخلية.
3 ـ إن هناك فوق الأمواج الداخلية طبقة مائية أخرى هي الطبقة السطحية التي تحوي الأمواج السطحية.
4 ـ إن هذه الطبقات المائية تولد بالإضافة إلى الغيوم التي تعلوها طبقات من الظلام التدريجي.
5 ـ إن ظاهرة الظلام تتزامن مع الأمواج الداخلية في المياه العميقة.
6 ـ إن فكرة انتشار الظلام في أعماق المحيطات لا تعتبر غريبة على صيادي الأسماك والبحارة، أما فكرة الأمواج الداخلية في المحيط وعلى سطحه فليس من المحتمل أنها كانت شائعة لديهم.
وهناك احتمال بعيد بأن المراقب الحاد الملاحظة ربما قرن بين حركة الأسماك أو الآثار غير العادية في المياه السطحية بوجود أمواج داخل المحيط، ولكن المؤلفات القديمة لا تتضمن أي إشارة إلى ذلك.
وفي حقيقة الأمر: إن (وليارد باسكون Willard Bascom) ذكر ما يلي في أمواج المحيط: (إنها على قدر كبير من التعقيد بحيث إن ملاحظات البحارة والمسافرين بحرًا وعلى مدى 2.000 سنة لم تقدم أي تعليل يزيد على القول بأن الرياح تؤدي إلى تكون الأمواج بطريقة ما، أما حركات المحيطات فقد كانت أعقد من أن يفهمها التفكير الحدسي)(13). وإنه لَمِمَّا يدعو إلى الدهشة حقًّا أن القرآن الكريم قد أشار إلى هذه الظاهرة منذ 14 قرنًا في دقة متناهية، وتصوير رائع مثير، تتفاعل معه النفس وكأنها أمام واقع حي تشاهده في قوله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُّجِّىٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا) النور:40